عثمان الشيخ يكتب : حينما لا يغدو الأدبُ أدباً
عثمان الشيخ يكتب : حينما لا يغدو الأدبُ أدباً


عثمان الشيخ يكتب: حينما لا يغدو الأدبُ أدباً

أخبار الأدب

السبت، 18 يونيو 2022 - 04:55 م

فى أشهر وأبسط تعريفاتها فالشوفينية هى ذلك «التعصب المغال للوطن والقومية، والعنجهية فى التعامل مع الآخر، وتعبر فى مضمونها عن غياب رزانة العقل والاستحكام فى التحزب لمجموعة ينتمى إليها الشخص والتفانى فى التحيز لها؛ وخاصّة عندما يقترن ذلك الاعتقاد أو التحزب بالحط من شأن جماعات نظيرة والتحامل عليها، وتفيد أيضا معنى التعصب الأعمى، وتجاوز الفخر القومى لحدوده إلى الاستعلاء والنظرة الدونية للشعوب والقوميات الأخرى».
وإن عمل الأدب العربى فى بداياته على تدعيم مثل هذه الأفكار، فإنه بدى فى مراحله التالية كمن يتخلص ويتطهر من خلفيته العصبية وجذوره القبلية، حيث يعمل الآن على نفيها والغائها بالانحياز للجمال وتغليب العقل وتوسيع الرؤية. لكن حتى وإن كان كذلك على مستوى الكتابة فإن العكس لازال يحدث على مستوى التلقي، خصوصا بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعى ومجموعات القراءة التى يقال إنها أخذت سلطة الناقد وباتت تتحكم فى اتجاهات الأدب، ينافسها فقط سلطة الجوائز. وباجتماعهما معا نعود مجددا إلى ما هجرناه ففى ظل عدم وضوح معايير الاختيار واستخدام مصطلحات كالأفضل والأحسن فى تنافس تحكمه الذائقة بالأساس تتحفز الجماهير بدورها لممثلها أو ابن منطقتها/قبيلتها باعتباره الأفضل بالتأكيد! يساق الجمهور كقطيع أعمى لنصره ممثله فى حرب وهمية لا فائز فيها، بل إن استمرارها بهذا الشكل خسارة مؤكدة للجميع.
نحاول هنا التفكير بهدوء مع مجموعة من الكتاب العرب فيما يجري، ونحاول التدقيق فى منحى بارز كشفت عنه الدورات الأخيرة من الجوائز عبر الإجابة على مجموعة من الأسئلة منها: لماذا زادت النزعة الشوفينية فى الثقافة العربية مؤخرا؟ وإلى أى حد ساهم الصراع على الجوائز فى ترسيخها؟ وكيف نعمل على تحجيمها؟

الحصول على التقدير والحافز يعتبر مطلب بشرى بحت؛ تحرّكه دوافع متباينة تختلف من شخص لآخر، بغض النظر عن نوع هذا الحافز. وتَنافس البشرية فى هذا الأمر يتمدّد فى حياة الإنسان اليومية ابتداء من التنافس على أسبقية الدخول إلى الحمام، مروراً بالتنافس على الفوز بمقعد فى حافلة مواصلات عامة، وحتى التنافس على كسب رضاء المدير فى العمل، هذا غير المنافسات الكبيرة المتعلّقة بالأنشطة الأكاديمية والسياسية والرياضية والاجتماعية والأدبية وهذه الأخيرة ليست ببعيدة من ذلك.


أنا وبشكل شخصى بحت ومن مُنطلق ممارستى للكتابة لا أجد غضاضة فى التنافس الأدبى القائم حول الاستحقاقات والجوائز الأدبية المحلّى منها والإقليمي، وذلك من منطلق أنها فعل بشرى وتنافسى طبيعي، تختلف دوافعه من شخص إلى آخر. فمنهم من يرى فيها اختبار لمقدراته فى الكتابة مقارنة بالآخرين ومنهم من يرى فيها سقف يريد أن يصل إليه، ومنهم من يرى أنها توسّع دائرة القراء حوله وتُكسبه مساحات أوسع يستطيع من خلالها لُقيا كُتّاب جدد ودور نشر أوسع انتشاراً، ومنهم من يَدخل إليها بفرضية الكسب المادى البحت، خصوصاً مع ارتفاع قيمتها التى تتجاوز الالاف من الدولارات والتى تُسمن وتُغنى من جوع بلا شك.

وهناك من يرى فيها هدف أعلى من كل ما سبق وهو المكانة الأدبية التى يكتسبها الكاتب والزخم الإعلامى الذى يصاحب كل جائزة من لقاءات صحفية ودعوات لمؤتمرات وارتفاع نسب التوزيع وعدد الطبعات، وفى مستويات أخرى ربما اكّسبتْ الكاتب مكانة اجتماعية وسياسية مرموقة، فمؤخراً صارت توازى عدد سنين الخبرة والشهادات الأكاديمية والبحثية، بحيث أنها تُكتب فى السيرة الذاتية للشخص وتجعل منه مميزاً.


بالنظر إلى الأسباب السابقة وغيرها، لابد من وجود سبب واحد على الأقل يجعل الكاتب ينافس على جائزة ما، فى الشعر أو الرواية أو القصة القصيرة أو النقد...الخ من صنوف الكتابة.
ولأنّ الكتابة لا تأتى وحدها وهناك قارئ دائمًا فى الانتظار، خاصة مع تطوّر عملية النشر وفكّ احتكاره فقط على الكتاب الورقى، حيث صارت الكُتب تُباع بصيغ رقمية فى المتاجر الإلكترونية أو التطبيقات المتخصصة.

وهناك أيضاً التطبيقات التى تنشر الكتب بصيغة صوتية على أجهزة المحمول. كل هذه التحوّلات ضاعفت جمهور القراء وجعلتهم أكثر عدداً وأكثر اطلاعاً على الأدب وما حوله من مسابقات محلية أو إقليمية أو دولية، يتم ذلك فى ظل آلة اعلامية جبّارة، جعلت للصحافة الثقافية مكاناً واضحاً فيها.


أضف إلى أن القُراء صاروا أكثر قرباً من الكُتّاب بل وعلى اطلاع واسع بتفاصيل حياتهم اليومية والشخصية، مما جعل العلاقة أقوى وأقرب.كل هذه العوامل وأكثر حوّلت القُراء من مجرد باحثين عن التثاقف والمعرفة والأدب الجيّد إلى ما هو أشبه بمشجعى كرة القدم؛ حيث يتعصّبوا وينحازوا إلى كُتّابهم بشكل مجنون وصاروا على إطلاع واسع بما يدور حول عملية الكتابة مثل قراءة مقاطع من النص الأدبى قبل نشره أو معرفة ظروف كتابته أو اتخاذ القرار مع الكاتب فى شكل الغلاف.

وهو أمر كان مفقود فى وقت سابق، أعنى عندما كان الاعتماد على المجلات الثقافية الصارمة والملفات الثقافية الأسبوعية بحيث لا تصلك أخبار كل الكتاب أو ما يدور حول الكتابة. ولكن مع الانفتاح الهائل الذى صاحب السوشيال ميديا وثقافة الاعجاب والمشاركة والتعليق اللحظى فى المنشورات اليومية صار الأمر مختلفاً. 


عندما تُطرح جائزة أدبية جديدة أو قديمة فى موسم جديد، يصاحب ذلك زخم إعلامى كبير ومتابعة لصيقة من جمهور القراء لما يدور، منذ قفل باب الترشيح وحتى إعلان القوائم الطويلة والقصيرة والقوائم الفائزة. الأمر الذى يَرفع سقف الطموحات لدى جمهور الكَاتب وذلك بتقييم نصه ونصوص الآخرين، ثم يتحوّل الأمر إلى نقاشات حادة بين جماهير القراء وكتابة توقعات والاصرار عليها، استباقاً لقرار اللجنة.

وحين صدور قرار اللجنة وخروج القرار النهائى والذى وبلا شك لن يعجب الجميع، أولاً: لأن الأدب قائم على التفاوت فى الذائقة وهو جوهر عملية النقد. وثانياً: لأن هناك نوع من القراء يريدون خلق انتصارات بأى طريقة لهم ولكُتّابهم؛ نكايةً فى الآخرين الذين قد تكون دُولهم مختلفة عنهم لا لشيء ألا ليقوموا بتغذية جانب غامض وغريب داخل انفسهم، مما يفرغ الأدب والكتابة من مضمونها الجميل.


أنا لا أريد الدفاع عن جدوى الجوائز الأدبية من عدمها فهذا تقدير شخصى يعود لمن يشارك. ولا أريد تفضيل جهة منظمة على جهة أخرى؛ لأن هذا أمر سأحسمه مع نفسى عندما أريد المشاركة.

ولا ألهث كثيراً حول روايات القائمة القصيرة أو الطويلة فهذا أمر يتعلّق بوفرة الكتاب وما يحتويه جيبى من نقود. ولا أحبذ أن يتحوّل الأدب إلى منافسات تشبه كرة القدم تحكمها قوانين صارمة مع هامش قليل للتميّز وكثير من التعصّب والخشونة أو إلى صناديق انتخابية يفوز فيها من يحشد أكثر وله جمهور واعلام أكبر.


أريد قارئاً ذكياً فى المقام الأول ينصّب نفسه حَكماً على ما يقرأه ويدرّب ذائقته بنفسه، وأريد كَاتباً جاداً تكون جائزته الأولى قارئاً مهتماً. وأريد جائزة أدبية تنحاز للكتابة الجيّدة بلا صرامة أكاديمية أو انشغال بضغط الصحافة والقراء. قد تبدو هذه نظرة مثالية ويصعب تحقيقها لكنها ليس مستحيلة.

اقرأ ايضا 

 روائي: نصوص نجيب محفوظ ملك التاريخ الأدبي في الوطن العربي | فيديو

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة